عشاء مع سعادة السفير


في ليلة خريفية مبتلة، سكبت فيها السماء غيماتها قطرات من مطر على نوافذ مدينة النور، ومع أنغام عربية تنبعث بسعادة من سماعات المطعم… تحلقنا حول طاولة العشاء في معهد العالم العربي مع سعادة سفير النرويج لمنظمة اليونسكو السيد تور ايركسون. كان معنا مديرة المعهد السيدة منى خزندار، وهي أول امرأة تترأس ادارة أحد أهم المؤسسات الثقافية في أوربا والعالم ، ولسعادتي فإن منى سعودية أيضاً. وعلى الجانب الآخر من الطاولة جلست السيدة فيجديس ليان، رئيسة اللجنة الوطنية النرويجية لليونسك. كان الحوار شيقاً، لوجود الأشياء المشتركة بيننا وبين النرويج، فهي مملكة وليست جمهورية وتعتبر خامس أكبر مصدر للنفط بانتاج مليوني برميل يومياً – أي خُمس انتاج السعودية- و ثالث أكبر مصدر للغاز في العالم ولكنها ليست عضوًا في منظمة أوبك.ولاعطاء نبذة مبسطة عن مملكة النرويج، فهي دولة أوربية من الدول الاسكندنافية، عدد سكانها لا يتجاوز الخمسة مليون، تتبع نظامًا ملكيًا دستوريًا ديمقراطيًا برلمانيًا. تم اكتشاف النفط فيها عام ١٩٦٩م ولم يوفر إنتاج النفط دخلاً صافياً حتى أوائل عقد الثمانينات من القرن العشرين، بسبب رأس المال الضخم الذي تطلبه إنشاء البنية التحتية لصناعة النفط الذي تملك أغلب مؤسساته الدولة. يتمتع النرويجيون بثاني أعلى ناتج محلي إجمالي للفرد الواحد في العالم وتأتي في المرتبة الأولى عالمياً في مؤشر التنمية البشرية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي. كما تتصدر قائمة أفضل الدول من حيث مستوى المعيشة وتتمتع بأعلى مستوى حرية صحافة في العالم مناصفة مع آيسلندا بحسب (مراسلون بلا حدود) وتمتلك أدنى معدل جرائم قتل في العالم.
من حسن حظي أن سعادة السفير رجل اقتصاد أيضاً، ماجعلني أستغل الفرصة لأمطره باسئلة طالما أشغلتني، كان سؤالي الأول عن نعمة أو نقمة النفط، كيف ستتعامل النرويج معها بعد أن ينفد النفط من حقوله؟
قد تكون الإجابة معروفة للقاريء لكن من الجيد سماعها من واقع تجربة، يقول ايركسون: “من السهل جداً الاعتماد على الثروة النفطية الهائلة التي تملكها البلاد، لكن ذلك سيجعلنا تحت رحمة ارتفاع وانخفاض أسعار النفط، لذلك خلقنا اقتصاد لا يعتمد على الثروة النفطية، حيث نوعنا مصادر الدخل بحيث لا تشكل عائدات الثروة النفطية غير ٣٠٪ من الناتج المحلي، واستثمرنا أكثر في الصناعات الأخرى كمزارع الأسماك والمنسوجات والمنتجات الورقية وغيرها، غير امتلاكنا لسادس أكبر أسطول بحري في العالم. تحرص الدولة أن يكون هناك أعلا درجات الشفافية مع الشعب في نشر تقاريرعن كل كرونة – عملة النرويج- تدخل خزينة الدولة من الثروة النفطية، لكن ذلك صنع مشكلة كبيرة حيث يرى الجميع مقدار الثروة الهائلة التي تملكها الدولة ما يجعل الرغبة في الإنفاق مستمرة، لذلك هناك سياسة داخلية غير مكتوبة لوضع حد أعلا للإنفاق السنوي من الثروة النفطية لا نتجاوزها، ونقوم باستثمار الفائض من الثروة النفطية في دعم الصناعات الأخرى أو في الاستثمار في الأسهم والسندات والعقارات. لكن أهم ماقامت به الدولة هو انشاء صندوق الثروة السيادية (صندوق معاشات التقاعد الحكومي – العالمي)، والذي يمول من عائدات النفط..”
ولأكمل حديث سعادة السفير سأقتبس من موقع ويكيبيديا: “تشير التوقعات إلى أن صندوق المعاشات النرويجي يمكن أن يصبح أكبر صندوق رأس مال في العالم، وحاليًا هو ثاني أكبر صندوق ثروة سيادي مملوك لدولة، خلف جهاز أبوظبي للاستثمار. صادرات النفط والغاز المستمرة إلى جانب وجود اقتصاد سليم وتراكم الثروة الكبيرة يؤدي إلى استنتاج مفاده أن النرويج سوف تظل من بين أغنى البلدان في العالم في المستقبل المنظور.”
تحولت باسئلتي للسيدة فيجديس ليان، وهي امرأة في بدايات الستينات من عمرها، شعرها الأبيض بالكاد يلامس كتفيها. لها عينان دافئتان يعلوهما حاجبان أسودان كثيفان: “سيدة ليان، تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي يشير إلى أن النرويج على رأس القائمة في مستوى المساواة بين الجنسين، فيما يصنف نفس التقرير المملكة السعودية وتشاد واليمن على أنها الأقل مساواة في العالم مع أني أشك أن اليمن أقل منا فهناك يمنيات عضوات في الحكومة. أي نحن نأتي في ذيل القائمة بينما تتصدرون أنتم القائمة. كيف حصلتن على حقوقكن، هل استيقظ ملك النرويج يوماً وقرر اعطائكن حقوقكن كاملة؟ هل كان للبرلمان المنتخب دور في ذلك؟ ما سركن؟”..
عبست السيدة ليان من قولي وأزاحت كوبها جانباً وكأنها تفتح الطريق بيننا. مدت يديها أمامها وهي تشير بكلتيهما وبقوة اشارة النفي.. “لا لا لا.. لم يحدث في تاريخ البشرية وليس النرويج فقط أن أخذت النساء حقوقهن لأن الرجال أرادوا ذلك، لقد قاتلنا وقاتلنا وقاتلنا، قاتلنا لآخر حق ومازلنا نقاتل.. من نيل حق التصويت وبقية الحقوق السياسية وحتى حق الحضانة في مكان العمل واجازة الأمومة التي تستمر لسنة كاملة بلا أي اقتطاع من الراتب.. من يخبرك أن النساء سينلن حقوقهن لأن الرجل سيسمح بذلك فهو إما كاذب أو مجنون”..
حولت نظري للسيدة منى خزندار، مثال مشرف للمرأة الناجحة، ظلت تستمع للحوار بهدوء وابتسامة تعلو محياها، هزت رأسها علامة الموافقة على العبارات التي نطقت بها السيدة ليان.. وجهت حديثي لها هذي المرة: “كتبت مرة مقالاً عن تكريم السعوديات خارج الوطن، وكنت أحد الأمثلة المشرفة التي استشهدت بها، وكم هو فخر كبير أن أكون معك اللحظة.” قالت بعد أن شكرتني بأدب جم: “أدين بالكثير لوالدي عابد خزندار، فهو من شجعني لإكمال دراستي في الخارج، لكن بعد أن أكملت دراستي كان من الصعب جداً العودة لأرض الوطن، وفضلت البقاء هنا.” مر طيف الخبر الذي قرأته قبل أسابيع حين كانت” منى” في زيارة لأرض الوطن وعند تجديد جوازها، طلبوا احضار (ولي أمرها) لاستلام الجواز. رغم أنها تتبوأ منصباً دولياً مهماً، ورغم الدرجة العلمية المرموقة التي تحملها مازالت منى وكل السعوديات نعامل كقاصر من قبل الجهات الرسمية السعودية.
تبعثرت عندها الأفكار بعد أن صعدت لأعلى القائمة مع النرويجيين، ثم هوت للأسفل مع واقع مرير ومستقبل مجهول.. وفكرة واحدة تدور في رأسي.. وستكون رفيقتي في السنوات القادمة..

3 thoughts on “عشاء مع سعادة السفير

  1. الامرأة التي ظننا ان قيادة السيارة هي جل مبتغاها ، تظهر لنا رويدا رويدا حجما من الثقافة والعلم يعد ثروة كبرى للمملكة تختلف كليا عن ثروة النفط .
    ارجو ان تقبلي مني كل الاحترام .

  2. These products that you are marketing, I hope that they are not Israli and Jewish own. Furthermore, as of right now, youtube still did not take the video down disrespecting our prophets.

  3. أين أنتي يأم عبد الله ، مافيه طله ف صحيفة الخياة . اما مقالك حلو مره .

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Twitter picture

You are commenting using your Twitter account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s