شفاه غليظة.. قصتي مع مقاييس الجمال أيام طفولتي


وقعت بين يدي مؤخراً عددا من الصور القليلة التي نجت من التقطيع أيام مراهقتي التي صادفت فترة الصحوة. لاحظت وأنا أقلبها عاملاً مشتركاً طريفاً.. كنت أبدو في كل صورة (زامة) شفتيّ وكأنني أكتم نَفَسي أو أمنع كلمات كنت على وشك قولها قبل أن أسمع (ثلاثة) التي تعلن وقت الضغط على زر التصوير. جلست أقلب الصور، ومعها ذكريات عشتها كمراهقة، أحبطتها مقاييس الجمال التي فرضها المجتمع حولها. فشفاه “ميرفت أمين” المنمنة كانت المقياس للشفاه الجميلة التي سقطت منه شفاهي الكبيرة التي ورثتها عن والديّ العزيزين. مقاييس الجمال في تلك الفترة من التسعينات كانت شيئا كالتالي: (بيضاء البشرة، الشعر ناعم وطويل، الشفاه منمنمة، الجسم ممتليء، الخ الخ). كنت العكس تماما (حنطية البشرة، شعر غجري، شفاه كبيرة، جسم نحيل، إلخ إلخ). كانت أمي تطلب مني أن أضم شفتيّ عند التصوير لأبدو أجمل! ولغبائي كنت أطيع.

هذه الطاعة استمرت فقط فترة مراهقتي، بعد تخرجي من المرحلة الثانوية ودخولي الجامعة أصبحت أتعمد التمرد على كل ما يقرره المجتمع حولي من مواصفات يعتمدها للجمال في نظره، ببساطة لأنني لن أمتلك يوماً شفاه ميرفت أمين ولا بشرة سعاد حسني، كان علي تعلم حب كل صفاتي الصحراوية بعيدا عن قوالبهم حتى لا أصاب بالإحباط. سأذكر قصة طريفة أخرى، كانت مباني جامعتي جامعة الملك عبدالعزيز بجدة متباعدة، وكنا نمشي فترات طويلة تحت الشمس لنلحق بالمحاضرات بين هذه المباني، ما يمنح البشرة سمرة تجدها الفتيات بشعة لأنها تخالف أول صفة في قائمة الجمال التي حفظنها، كنت أراهن يتبادلن النصائح حول الكريمات المبيضة، والكريمات الواقية من أشعة الشمس وحتى المظلات، وكن ابتسم في قلبي.

تدور الأعوام وتدور الأيام وبقدرة قادر أسمع صديقاتي يمتدحن سمرة بشرة الممثلة الفلانية وهل هي طبيعية من حمامات الشمس أم صناعية من كريمات التسمير. وكيف أصبحت شفاه أنجلينا جولي الكبيرة حلم النساء الذي يلاحقنه بحقن البوتكس، والشعر الغجري صار بجمال الشعر الناعم، والجسم الذي كان يُعتبر نحيلا أصبح مقياس الرشاقة الذي تروج له مجلات الموضة ومراكز ومنتجات الحمية.  كنت أسمع غير مصدقة، وفي قلبي شيء من الغضب، لأن كان علي سلوك الطريق الوعرة في تجاهل أنني لم أولد على مقاس القالب الجمالي الذي يرضاه مجتمعي.

إن مقاييس الجمال التي تعممها المجتمعات تكون في أحيان كثيرة متغيرة ومتأثرة بما يفتقدونه، فالسمراء أجمل في بلاد الشقر الماطرة والبيضاء أجمل في بلاد الصحراء المشمسة، لكن المقاييس مهما تغيرت وتبدلت فإن الصفات الجسمانية التي وهبنا الله إياها لن تتغير، وحتى محاولات تغييرها بالجراحات البلاستيكية مكلفة ومؤلمة وقد لا تنجح أحيانا، فنشوه أنفسنا بدلا من أن نجعلها تتوافق مع مقاييس تأتي ثم تذروها الرياح.

تعلمت بعد كل تلك السنين وبعد كل تلك الدموع أن أحب نفسي كما أنا، لا كما يوافق هوى الناس ومقاييسهم.. فأهوائهم متغيرة.. لكن سمرتي و جبهتي الواسعة وشفاهي الغليظة باقية..

9 thoughts on “شفاه غليظة.. قصتي مع مقاييس الجمال أيام طفولتي

  1. ما أروعك يا منال وأهنئ زوجك عليك ارجوا الله ان يكثر من امثالك من لا يكترثن لما سيقال تحياتي لك ..كم بحثت عن واحدة تشبهك عقلا ووعيا في اليمن ولم أجد

  2. كم تذكرت تلك الأيام التي كنتُ ابكي فيها لأن امي كرهتني بلون بشرتي, و امضيت سنين من حياتي اكره شكلي
    تكره لون البشرة الغامقة, و تسخر من السمر. و المضحك في ذلك انها تزوجت من رجل داكن البشرة (ابي)
    و لأنها كانت بيضاء فولدتُ سمراء مثل سمارة اللاتينيات و الأشد سمرة من بين اخواتي
    و كرهوني في طولي لاني كنت طويلة في عمر صغير
    الا ان جاء اليوم الذي اكتشفت فيه ان بعض المجتمعات تمدح الطول و تجلس تحت تحت الشمس حتى تكتسب اللون الاسمر :\
    كما انتقلت الى مجتمعاتنا بعض مقاييس الجمال التي عند الغرب (كالطول, الشفاة الممتلئة, النحف..الخ)
    و بدل ماكنت اتمنى اني اقصر صرت اتمنى اني اطول :\

  3. مع احترامي، مقال دون مستواك الذي ارتقيتي اليه مؤخراً.

  4. الست منال المحترمة مقال قيم ويحمل من المعاني الكثير اتفق معك في ما اشرت اليه واشد على يدك على الصراحة والجرأة في الطرح

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Twitter picture

You are commenting using your Twitter account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s